مناسبات فلسطينية

مناسبات فلسطينية

تزدحم "الرزنامة" الفلسطينية لهذا الأسبوع، بثلاث مناسبات:
الأولى، ذكرى مرور أربعين عاما على انطلاقة اليسار الفلسطيني ممثلا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي انبثقت عنها فصائل عدة، منها الجبهة الديمقراطية والقيادة العامة، وعشرات المجاميع والشخصيات والحالات التي نمت على جذع اليسار الفلسطيني طوال أربعة عقود.



والثانية، هي الذكرى العشرين لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي أعادت وضع فلسطين على "جغرافيا" الإقليم، بعد أن ظلت تحلق عاليا في فضاءات السياسة الشرق أوسطية، ومهدت لإعلان الاستقلال في الجزائر عام 1988، الذي بني على قرار فك الارتباط بين الضفتين.

والثالثة، هي الذكرى العشرين كذلك، لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، وهي الحركة التي دخلت متأخرة على مسرح الكفاح الفلسطيني المسلح، لكنها منذ ذلك التاريخ تحوّلت إلى أحد أعمدة الكفاح الفلسطيني التي لا يمكن تجاهلها، خصوصا بعد أن سجلت فوزا كاسحا في انتخابات 2006، ونفذت انقلابها العسكري في قطاع غزة في السنة التالية.

الذكرى الأربعين لانطلاقة الجبهة الشعبية تمر "باردة" نسبيا، فاليسار الفلسطيني، ومن ضمنه الجبهة الشعبية، التي كانت ذات يوم، جناحا رئيسا ليس للطائر الفلسطيني أن يحلق في السماء من دونه، فقدت الكثير من نفوذها وشعبيها، وهي وبقية قوى اليسار الفلسطيني، لم تحصل على أكثر من أربعة بالمائة من أصوات الشعب الفلسطيني في الانتخابات الحرة والنزيهة التي جرت في يناير 2006، وهي وبقية الفصائل اليسارية الفلسطينية، لا تحتفظ بأكثر من خمسة بالمائة من الأسرى الفلسطيني في سجون الاحتلال، وهي وبقية الفصائل الفلسطينية، لا تستحوذ على أكثر من خمسة بالمائة من الأنشطة العسكرية والجماهيرية الفلسطينية، أي أننا انتهينا من يسار يصارع على نصف الورقة الفلسطينية، إلى يسار لا يحتل أكثر من خمسة بالمائة منها، وهي حالة ليست فلسطينية، بل عربية بامتياز على أية حال.

أما حماس، فقد بلغت الذروة في الانتخابات الأخيرة، ومثلت ما لا يقل عن أربعين بالمائة من الشعب الفلسطيني، لكن قانون الانتخابات الفلسطيني، منحها مقاعد أكثر من حجمها وثقل أصواتها، والحركة ما زالت رغم أخطائها وخطايا، تمثل قوة لا يستهان بها من الشعب الفلسطيني، وسنكون بحاجة لانتخابات تشريعية حرة ونزيهة لقياس الحجم الذي آلت إليه الحركة، بعد كل ما فعلته وتسببت به في القطاع المحاصر.

لكن من المؤكد أن حماس ستظل وحتى إشعار آخر، لاعب فلسطيني لا يمكن تجاوزه أو القفز من فوقه، وهي حلت محل اليسار الفلسطيني كثاني قوة في الشعب الفلسطيني، قبل أن تقفز لاحتلال مكان فتح ومكانتها في العمل الوطني الفلسطيني، لتعود بعد ذلك إلى خسارة شعبيتها والمقامرة برصيدها.

أما عن الانتفاضة الأولى في ذكراها العشرين، فنكتفي بإشارة مقارنة سريعة بين نتائجها ونتائج الانتفاضة الثانية، فالانتفاضة الأولى أسست للحرية والاستقلال وزادت من رصيد الشعب الفلسطيني ومكاسبه، وكانت قوتها في جماهيريتها وابتعادها عن "العسكرة المفرطة".

أما الانتفاضة الثانية، فقد أعادت الشعب الفلسطيني سنوات للوراء، وعمقت الانقسام الداخلي، وأشاعت فوضى السلاح وفلتان الأمن، وخلقت طبقة من أمراء الحرب والأحياء والفصائل والأذرع والعائلات المسلحة، ويكفي أن نقرأ ما انتهت إليه الحالة الفلسطينية الداخلية خلال الأعوام القليلة الماضية، حتى ندرك أهمية الجدل الذي بدأ مبكرا حول ضرورة "ضبط" العسكرة" وإعادة الاعتبار للطابع الجماهيري / الشعبي (السلمي إن شئت) للانتفاضة.

لكن أنصار نظرية "عنزة ولو طارت" ما زالوا على غيّهم واستكبارهم، حتى بعد أن انصرف السلاح عن وظيفته في مقاومة الاحتلال، وتحوّل إلى هراوة لقمع المتظاهرين في غزة ورام الله على حد سواء.